اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ»
بل بالعفة والستر والصلاح وكل ما هو من شأن التقوى «أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ» أيها الكفرة «ما لا تَعْلَمُونَ 28» حقيقة استفهام انكار جيء به للتوبيخ والتقريع «قُلْ» يا رسولي «أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ» العدل وكل ما هو مستقيم حسن طاهر فكيف تسندون له الأمر بالفحشاء ثم قال جل شأنه على طريق عطف الأمر على الخير وهو جملة «قُلْ أَمَرَ رَبِّي» أي «و» قل لهم «أَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ» لأن الكلام فيه حذف وإضمار وأمثاله في القرآن كثير وهو إيجاز غير مخل وحاشا كلام الله من الخلل والنقص والزيادة الكائنة في كلام البشر بسبب الإيجاز والإطناب. وإنما يزيده براعة وبلاغة أي توجهوا اليه «عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ» تقصدون فيه عبادة ربكم «وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ» لا لغيره بالاستقامة الكاملة واعلموا أيها الناس أنه تعالى «كَما بَدَأَكُمْ» من العدم أول مرة فعدتم أحياء في هذه الدنيا «تَعُودُونَ 29» اليه يوم القيامة أحياء كاملي الخلق لأنه تعالى يعيد لكم ما طرأ عليكم من النقص في الدنيا ويجمع كل أجزائكم المتفرقة بعد الموت وتحشرون اليه المؤمن مؤمنا والكافر كافرا، يؤيد هذا قوله تعالى «فَرِيقاً هَدى» وهم الذين خلقوا في الأزل مؤمنين لاتباعهم طريق الحق الذي خلقوا اليه «وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ» وهم الكافرون في سابق علمه وذلك «إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ» باختيارهم
ورضاهم وإيثارهم عليها «وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ 30» بفعلهم ذلك مع ما هم عليه من الضلال، كلا ان زعمهم هذا باطل روى مسلم عن جابر عن النبي صلّى الله عليه وسلم (السعيد من سعد في بطن أمه والشقي من شقي في بطن أمه) وقوله (اعملوا فكل ميسر لما خلق له) فالمخلوقون للجنة لا بد وأن يختم لهم بصالح العمل وان فعلوا ما فعلوا من الشر بتوفيق الله والمخلوقون للنار لا بد وأن يختم لهم بسيئة وان عملوا ما عملوا من الخير يخذلان الله ايّاهم.
قال تعالى «يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ» من اللباس النظيف الحسن والطيب والدهن وترجيل الشعر وتنظيف البراجم والأسنان لأن الصلاة مناجاة للرب فيستحب لمن يقف أمام ربه